معاملة النبي ( ص ) مع اليهود
روى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسٌ جاء يهودي فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك! فقال: «مَنْ؟» قال: رجل من الأنصار. قال: «ادْعُوهُ». فقال: «أَضَرَبْتَهُ؟» قال: سمعتُه بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر. قلتُ: أيْ خبيث! على محمد -صلى الله عليه وسلم؟! فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ»... الحديث(13).
وفي هذا الموقف الكثير من المعاني: فاليهودي يتحاكم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما ذلك إلاَّ لأنه على يقين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيُعطيه حقَّه كاملاً، والشكوى في حدِّ ذاتها تدلُّ على أن إيذاء أحد من اليهود هو شيء غريب ومستهجن؛ ومن ثَمَّ جاء اليهودي سريعًا ليشكو هذا الذي ضربه، وعلى الفور سأله الرسول -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ؟»، فأجابه الرجل: إنه أحد الأنصار. فأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يأتوا به لمعرفة ملابسات هذا الأمر؛ حيث إن اليهودي لم يذكر إلاَّ أن الصحابي قد ضربه على وجهه، ولمَّا جاء الصحابي قصَّ ما حدث، ودون تحامل على اليهودي فيما يقوله؛ نرى أنه استفزاز من قِبَل اليهودي للمسلمين؛ فاليهودي لم يَقُلْ هذا الكلام في مكان عبادته أو في بيته؛ بل يقوله في السوق الذي يكثر فيه المسلمون؛ مما أثار غضب هذا الصحابي فضربه على وجهه، ولم يُوَجِّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللوم إلى اليهودي الذي جهر بما يُغضب المسلمين، وكاد أن يُحْدِث فتنة؛ ربما تُزهَق بسببها الكثير من الأرواح، مما قد يُهَدِّد أمن المدينة وسلامتها، وقد يُعتبر هذا نقضًا من هذا اليهودي لبنودٍ من المعاهدة الموقَّعة بين الطرفين، والتي تنصُّ على أن يتعاون الجميع في حفظ أمن وطنهم «المدينة»، وأنَّ لكلٍّ دينه الذي يعتنقه، ويجب على الآخرين احترامه وعدم المساس به.
لكنه -صلى الله عليه وسلم- وَجَّه نصيحةً بالغة الأهمية لكل الأطراف ألاَّ يُخَيِّروا بين الأنبياء؛ وذلك حتى يمنع الفتنة فيما بين القوم، حتى لا يتكرَّر ما حدث مرَّة أخرى.
ولو كان لليهودي أيُّ حقٍّ لردَّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليه، دون مجاملة لأحد، فإن بنود المعاهدة تنصُّ على أن النصرة للمظلوم.